معرفتي بالأستاذ الدكتور محمد الرميحي تعود إلى عام 1976، حين شاركت في إحدى اللجان التنظيمية للإعداد لمؤتمر مصادر تاريخ الجزيرة العربية الذي استضافته حينها كلية الآداب بجامعة الملك سعود. التقيته بالمصادفة على هامش إحدى جلسات المؤتمر، ودار بيننا حديث عابر حول المفاضلة بين بريطانيا وأمريكا للدراسات العليا. وتكرر اللقاء بعد أربع سنوات حين حضرت محاضرة قيمة له على جمع من الطلبة العرب في جامعة ولاية متشجن تناولت بعض من القضايا السياسية التي تمر بها المنطقة العربية بشكل عام، وملاحظات ومقترحات حول البحث العلمي والمنهجيات التي تحتاجها دراسات الظواهر الاجتماعية في دول الخليج العربي.
وتكرر اللقاء للمرة الثالثة في عام 1988 حين تصادفت زيارته للرياض مع وجودي في المملكة لجمع المعلومات والبيانات لرسالة الدكتوراه عن التاريخ الاجتماعي للتلفزيون في ثلاث دول خليجية (السعودية - الكويت - البحرين). وكانت لنا جلسة مطولة تناولت الكثير من الاعتبارات التي يجب أخذها في الحسبان لفهم آليات اتخاذ القرار في السياق السياسي والاجتماعي في دول الخليج والتداعيات المحتملة له، مع شواهد حاضرة من الواقع الثقافي والإعلامي في هذه الدول الثلاث.
على الرغم مما يبدو من تباعد وتقطع بين هذه اللقاءات الثلاثة، إلا أن أثرها تعزز بالقراءة لعدد من كتبه التي حرصت على الاستفادة منها لما لها من ارتباط وثيق باهتمامي بسيسيولوجيا الإعلام بشكل عام، وفي دول الخليج بشكل خاص. كما تعزز أثرها بعد اللقاءات السنوية التي جمعتنا في منتدى التنمية الخليجي التي داومت على حضورها طيلة الثلاثين عاماً الماضية. كان ولا يزال للدكتور الرميحي حضور واضح فيها إما متحدثاً أو مشاركاً. وتعمّقت العلاقة بيننا بعد أن سعدت وشرفت بالعمل معه، ومجموعة مميزة من الأخوات والإخوة الأفاضل في إدارة المنتدى خلال العشر السنوات الماضية.
أتيت بهذا السرد لتاريخ تشرّفي بمعرفة الدكتور الرميحي ليتضح أن ما أذكره من ثناء في ثنايا هذه المقالة ليس من باب المجاملة، ولم يكن من لحظات عابرة، بل من لقاءات اتسمت بقدر عال من البعد الأكاديمي والثقافي، مما يشفع لي الادعاء بأنه بمثابة أستاذ لي.
الأستاذ الدكتور محمد الرميحي ليس بحاجة لثناء مني، فهو قامة أكاديمية وفكرية وثقافية، وتؤكد ذلك الجوائز التقديرية التي استحقها؛ بدءاً من الجائزة التقديرية من مؤسسة التقدم العلمي في الكويت، ومروراً بجائزة ابن سيناء من منظمة اليونسكو، وجائزة سلطان العويس، ووسام الشرف من درجة فارس في الثقافة من فرنسا، وجائزة الكويت التقديرية (أعلى جائزة تمنحها الكويت)، ومؤخراً -ومؤكد أنه لن يكون أخيراً - جائزة شخصية العام الإعلامية من منتدى الإعلام العربي في دبي عام 2023 .
الإنتاج الأكاديمي للدكتور الرميحي شاهد بارز على المكانة العلمية التي يحظى بها كأحد أبرز المتخصصين في علم الاجتماعي السياسي في العالم العربي، حيث اتسمت مؤلفاته بالقراءات النقدية والمقاربات النظريات التي لها إسهامات وإضافات قيمة للمكتبة العربية بدراسات تناولت القضايا والظواهر في سياقاتها الاجتماعية والسياسية سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي.
وكتاباته الصحفية في عدد من الصحف العربية شاهد بارز على مكانته في المشهد الثقافي العربي، حيث يتناول في مقالاته الأسبوعية قضايا راهنة بكل أبعادها ومحاورها الاجتماعية والثقافية والسياسية، وبأسلوب يتجاوز الكتابة الإنشائية التقليدية المعهودة، وثري بالأدلة والاستشهادات المنطقية تتناسب مع تتطلبه الكتابة الصحفية بأسلوب السهل الممتنع.
لم أسمع ذكراً لاسمه بين الأصدقاء والزملاء، إلا ويكون الثناء والتقدير والاحترام حاضراً.
متعه الله بالصحة والعافية ليستمر في مسيرة العطاء والإنجاز.
** **
أ.د. إبراهيم عبدالعزيز البعيز - أستاذ الإعلام ورئيس قسمه الأسبق بجامعة الملك سعود