في إحدى الجلسات الثقافية التي حضرتها، قدّمنا قراءة متعمّقة حول القراءة وآفاقها في عصر التحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي. أبحرنا في الخيال وطرحنا العديد من التصوّرات والتنبّؤات حول مستقبل القراءة والكتابة الإبداعية.
فيما يتعلق بتوليد المحتوى العربي عبر الذكاء الاصطناعي، يرى البعض أن كتابة قصيدة عربية بالذكاء الاصطناعي أمر ممكن في المستقبل، إذا تم تدريبه على قدرٍ كافٍ من المحتوى العربي، بما يشمل البلاغة، الاستعارات، البحور الشعرية، وقواعد العروض، ليتمكن من كتابة قصائد موزونة بدقة. بينما يعتقد آخرون أن ذلك مستحيل بسبب غياب الإحساس والحسّ الفني والجمالي البشري، والقدرة على الابتكار والتوظيف الإبداعي الذي يميز الإنسان الشاعر أو الأديب بالفطرة.
بصفتي قاصّة وروائية، شعرتُ بشيء من القلق حيال مستقبل الرواية. إلا أنني أفصحتُ خلال النقاش عن إيماني بأنه لا يمكننا العودة بالزمن إلى الوراء؛ علينا أن نتعايش مع وسائل التقنية الحديثة تعايشًا يضمن الاستفادة منها والحد من سلبياتها.
لقد ساهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في دعم المحتوى المقروء في عصرنا الحالي. فالمنصات الحديثة المخصصة للقراءة، والمُعزّزة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي، تقترح على القارئ كُتبًا تناسب ذوقه بناءً على اختياراته السابقة. وتحدث هذه الاقتراحات بشكل ديناميكي مع تغيّر ذائقته القرائية. كما أن بعض الأدوات تزود القارئ بتعليقات وشروحات توضيحية أثناء القراءة. إضافة إلى ذلك، يُسهِّل الذكاء الاصطناعي الوصول إلى ذوي الإعاقة، من خلال تقنيات قراءة المحتوى صوتيًا، وتوفير النصوص البديلة للصور والأشكال.
ولا يخفى على أحد أن البودكاست قد أصبح يتمتع بجماهيرية واسعة. لكن علينا أن ندرك أن الفارق الجوهري بين ثقافة القراءة وثقافة الصورة والاستماع يكمن في طبيعة التفاعل الذي يحدث في عقل المتلقي. فالقراءة، على عكس الوسائل الأخرى، تسهم في تشكيل خلفية معرفية رصينة وأفكار ناضجة لدى القارئ.
في الختام، أكرر أنه علينا التعايش مع جميع وسائل التقنية الحديثة في العصر الرقمي. فلا ينبغي أن تصرفنا قراءة الكتب عن الاستفادة من مصادر المعرفة الأخرى، ولا تغنينا هذه المصادر المستحدثة عن القراءة الجادة للكتب.
** **
- هناء جابر