الشؤم طاف مجتمعات العالم وثقافاتهم ولايكاد مجتمع يخلو من أشياء يتشأمون منها؛ ألوان وأرقام، مرئيات ومسموعات وشخصيات وزاد وطال بعض الحيوانات.
يتغذى الشؤم على الجهل، كلما تمدد ازدادت مساحة الشؤم في الشرق والغرب؛ في شرق آسيا على سبيل المثال (رقم 13) ليس رقمًا عاديًا، بل رمزًا للنحس.
في مُخيلة العرب قديمًا انطبعت في أذهانهم ونسجوا بعض الخرافات حول الغراب والبومة فهم ليسوا مجرد حيوانات بل نذيرا شؤم،حكوا الحِكايات والألقاب وحشدوا المصادفات المغذية لترسيخ الصورة المشؤمة؛ فإذا همَّ أحدهم للسفر وشاهد غراب أو بومة فَتَرَ عزمُه وأحجم عن سَفَرِهِ.
أذكر إلى وقت قريب كان احتساء القهوة (بنفجان) أصابه كسر طفيف لايؤثر في استعماله كان علامة شؤم.
الإسلام بَدَدَ الأوهام وحَطّم الخُرافات وربط الإنسان بخالقه، توكلاً عليه سبحانه وتعالى وإيمانًا بما كَتب وقدَّر جل في علاه.
هذا التمهيد قبل طَرق الموضوع المُبرَّز في ثلاثة أضلاع أعلاه:العقاد، وابن الرومي، وخرافة الشؤم.
العقاد أديب مصري مشهور ذاعَ صيته توفي سنة: (1964 م) لم يتزوج، قرأ وكَتب الكثير عن الشخصيات وله العبقريات، أحبَّ الشّاعر: ابن الرومي المتوفى سنة: (283هـ) وشعر أنه مَجهول القدر، مَبخوس الحق، فكتب بدافع إبراز مكانته وشعره.
ابن الرومي ولد في بغداد وأصله من الروم زاحم العرب في بضاعتهم بقول الشعر ؛ فَعزَّ وبزَّ واستطال على أقرانه وكان من كبار الشعراء.
مات بسبب لسانه مسمومًا من وزير في الدولة العباسية تحوطًا من هجائه.
اجتاحت نوائب الدهر حياته وخيّم الحَزن ونصَب الهمّ أعمدته في صدره؛ فابن الرومي والحزن وجهان لعملة واحدة عند الكثير.
صاحبنا العقاد يحكي مواقف صعبة مرّت به منذ شروعه بكتابه عن ابن الرومي يقول العقاد في كتابه
«في بيتي»:
( لو صدقت خرافة من الخرافات لصدقت خرافة الشؤم والتشاؤم، في ابن الرومي هذا قبل غيره، فما حدث منه قد شهدته بنفسي وخبرته ولم أعتمد فيه على رواية الأقدمين ولا على مبالغات المتندرين؛ لأنني تعاقدت على طبع كتابي عنه مع مدير المطبعة، فمات هو وسُجِنْتُ أنا قبل الفراغ من ملازم الكتاب الأول، وكان وزير المعارف ( أحمد حشمت ) قد أوصى بطبع ديوانه، وأقام على تصحيحه مفتش اللغة العربية في الوزارة، فَعُزِلَ الوزير والمفتش وماتا قبل الفراغ من جزئه الثاني، وكتب المازني فصولًا عنه فكُسِرَت رجله، ونشر صاحب الثمرات قصائد من ديوانه فكُسِرَت رجله، وهمَّ صاحب البيان بنشر مطولاته والعناية بأخباره فتعطلت مجلة البيان، فلو كانت هذه المصادفات أسبابًا يؤخذ بها وترتبط بنتائجها لكان الشؤم المزعوم حقيقة من الحقائق العلمية التي لا شك فيها، ولكنها مصادفات سيئة تقترن بها مصادفات حسنة، ولا يجوز لنا أن نركن إلى هذه ولا إلى تلك على انفراد، فقد أنجزت كتابي عن ابن الرومي، فكانت السنة التي ظهر فيها من أسعد السنوات في حياتي الخاصة ، وأبرزها في حياتي العامة، وسلك الكتاب سبيله بين مراجع الأدب المعدودة في هذا الجيل).
** **
- إبراهيم أحمد الجنيدل
حساب تويتر: ibrahiem1994@