ولاية كيرالا هي أول منطقة في الهند رفعت لواء الإسلام، حيث يعود تاريخ علاقتها مع الإسلام إلى ما قبل بعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. وقد بدأت ديار مليبار بترسيخ علاقة وثيقة مع اللغة العربية وآدابها منذ زمن بعيد. يشير المؤرخ الهندي الدكتور تاراشاند إلى أن العرب الجاهليين كانوا يترددون على سواحل الهند وجزرها قبل الإسلام بسنوات عديدة، حيث كانوا يصلون الهند عن طريق البحر الأحمر والسواحل الجنوبية وصولاً إلى فوهة بحر السند وشاطئ مليبار، ومنها إلى كويلون وسيلان والملايو. ومنذ ذلك الوقت، لعبت العلاقات التجارية والثقافية بين العرب وأهل كيرالا دوراً هاماً في ترسيخ وجود اللغة العربية وانتشار الإسلام في المنطقة.
تتعدد الآراء التاريخية حول توقيت وكيفية انتشار الإسلام في الهند، ، حيث يشير البعض إلى أن الإسلام دخل الهند مع قدوم محمد بن القاسم الثقفي إلى السند عام 92هـ، بينما يعتقد آخرون أن الإسلام بدأ بالوصول في عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. وهناك من يعتقد أن بداية انتشار الإسلام الفعلية كانت في عهد الدولة الأموية. ومن خلال هذا التواصل، تشكلت روابط قوية بين اللغة العربية وأهل كيرالا، وأصبحت جزءاً أساسياً من الثقافة والتعليم في المنطقة.
وعلى الرغم من أن غالبية سكان كيرالا لا يتحدثون العربية كلغة أم، إلا أن المنطقة قدمت العديد من الشعراء والأدباء والمفكرين باللغة العربية. تُدرس اللغة العربية من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعات، مما يشير إلى مكانتها التعليمية المهمة. ويعيش في كيرالا أشخاص من مختلف الأديان، حيث الأغلبية من الهندوس يليهم المسلمون والمسيحيون، وقد اعتمد المسلمون على اللغة العربية في تدوين أمورهم الدينية باستخدام الأبجدية العربية فيما يعرف بالعربية المليالمية. تعلّم أهل كيرالا اللغة العربية لتمكينهم من قراءة القرآن والحديث الشريف، وتم تعميم تدريسها في المدارس الحكومية بفضل جهود الحكومة البريطانية، مما جعلها جزءاً من النظام التعليمي.
انتشار اللغة العربية في كيرالا يرتبط بعدة عوامل منها تاريخ التجارة العربية في كيرالا واستيطان العرب فيها. ومن المعتقد أن ملك كيرالا جيرمان فرمال قد أسلم في عهد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم، كما أسهمت الهجرات الثقافية للعرب مثل قدوم مالك بن دينار والدروس الدينية في المساجد والمدارس في نشر اللغة. مع تأسيس الكليات العربية وتدريس اللغة في المدارس الحكومية والجامعات، ترسخت مكانة اللغة العربية. كما أن المؤلفات القديمة والحديثة والمؤسسات الإسلامية والحركات الثقافية، إضافة إلى جهود الزعماء السياسيين، أسهمت جميعها في ترقية اللغة العربية.
كيرالا قدمت عدداً من العلماء البارزين في الفقه والأدب العربي، مثل الشيخ زين الدين المخدوم الكبير، الفقيه الشافعي الذي له شروح جليلة على ألفية ابن مالك، وأعمال في النحو مثل «تحفة لابن الوردي». وكذلك الشيخ زين الدين المخدوم الصغير، صاحب كتاب «تحفة المجاهدين» و«فتح المعين» الذي يعد مرجعاً معروفاً لدى أهل العلم في مذهب الشافعي. ومن العلماء أيضاً الشيخ قاضي عمر بلنكوتي، الذي كتب قصيدة عند زيارته المدينة المنورة، والشيخ محيي الدين الوائي الذي وضع كتاباً قيماً حول تاريخ الهند بعنوان «الدعوة الإسلامية في شبه القارة الهندية»، إضافة إلى ترجماته للأعمال الأدبية.
ولا يزال من العلماء البارزين على قيد الحياة الشيخ أنور عبد الفضفري، الذي كتب أكثر من ثلاثين كتاباً بالعربية في مجالات الفقه والتفسير والنحو وغيرها ويقيم حالياً في السعودية، حيث يقوم بتدريس المواد الشرعية، ويعد من أبرز كتبه «الشرح الثري على ثلاثيات الفضفري» في القواعد النحوية. وهناك حمزة عبد الله المليباري، أستاذ مشارك في كلية دراسة العربية والإسلامية في دبي، الذي كتب «الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين»، ويعد من المراجع المهمة في علوم الحديث الشريف والدراسات الإسلامية.
كما توجد في كيرالا عدة مجلات عربية تسهم في نشر الأدب والثقافة العربية، مثل «مجلة النهضة» التي تصدر عن كلية سبيل الهدى، و»مجلة التضامن» من كلية الأزهر في آلواي، و»مجلة كاليكوت» من جامعة كاليكوت، و»مجلة العاصمة» من جامعة كيرالا. وقد كانت هذه المجلات وسيلة هامة لنشر الثقافة العربية بين أفراد المجتمع وتبادل الأفكار.
حركة الترجمة أيضاً أسهمت في تعزيز التبادل الثقافي، حيث تم ترجمة العديد من الأعمال المليالمية إلى العربية. ومن أشهر هذه الترجمات رواية «شمين»، التي ترجمها الدكتور محي الدين الآلوائي وحازت على جائزة أكاديمية الآداب الهندية في عام 1967م. كما قام السيد أبوبكر نانمندا بترجمة قصيدة «الزهرة الساقطة»، وهي قصيدة رثاء شهيرة كتبها الشاعر الهندي كمارناشان عام 1907م. وإضافة إلى ذلك، قام ميدو مولوي كتيادي بت رجمة مختارات من شعر «يا الله» للشاعرة ثريا بعد اعتناقها الإسلام، كما أن الشاعر الإماراتي شهاب غانم ترجم ديوانها إلى العربية بعنوان «رنين ثريا»، وأصدر المصري محمد عيد إبراهيم ترجمة رواية «مثل ترنيمة».
ختاما ، نستطيع أن نقول إن منطقة كيرالا أسهمت بشكل كبير في تعزيز التبادل الثقافي مع العالم العربي، وقد نمت اللغة العربية بفضل حركة الترجمة والمساهمة النشطة من العلماء الهنود، خاصة من منطقة مليبار. ولا تزال عبقرية أهل كيرالا في اللغة والفكر تبرز في شتى الفنون حتى يومنا هذا، محققة أثرًا عميقًا في الثقافة الإسلامية والعربية.
** **
أبو حماد ناصر - أكاديمي - الهند