على مر الأزمنة، يظهر قادة لا يكتفون بتسجيل أسمائهم في صفحات التاريخ، بل يخطّون ملامحه بأنفسهم. وفي سجل التحولات الكبرى، يبرز ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز كمهندس لرؤية أعادت رسم موقع المملكة على خارطة المستقبل العلمي والتقني.. لم تكن السنوات الثماني الماضية فترة عادية من النمو، إنما حقبة من القفزات النوعية، تحولت فيها المملكة من مستهلك للتقنية إلى صانع لها، ومن متابع للابتكار إلى رائد فيه. هذه ليست فقط نهضة، بل إعادة تعريف لمفهوم التقدم، حيث يلتقي الطموح بالإرادة، وتُكتب فصول جديدة من الإبداع السعودي على مستوى العالم.
صنعت المملكة طريقها الخاص، لم تكن شاهدًا على التقدم العلمي والتقني، بل أصبحت إحدى القوى الفاعلة في تشكيل ملامحه. بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، لم يكن التحول التقني والابتكار خيارًا، بل رؤية طموحة تُرسم بخطوات واثقة نحو الغد. ثماني سنوات من الريادة، تحولت فيها المملكة من مستهلكٍ للتكنولوجيا إلى صانعٍ لها، ومن دولةٍ تعتمد على مواردها التقليدية إلى مركزٍ عالمي للذكاء الاصطناعي، والتقنيات المتقدمة، والبحث العلمي. إنها مسيرة صعودٍ، تُكتب بحروف العزم، وتُرسم على صفحات المستقبل، فلا مكان للمستحيل، بل حيث يكون الطموح هو القاعدة، والابتكار هو اللغة التي تتحدث بها السعودية الجديدة.
مع حلول ذكرى البيعة الثامنة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، تشهد المملكة تحولاً استثنائيًا في المجالات العلمية والتقنية، أصبحت نموذجًا عالميًا في الابتكار والتطوير. شهدت السنوات الماضية تطورات هائلة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المتقدمة، والبحث العلمي، استنادًا إلى رؤية السعودية 2030، التي رسمت ملامح مستقبل أكثر تقدمًا واستدامة.
أدرك الأمير محمد بن سلمان أن الاستثمار في المعرفة والتكنولوجيا هو أساس النهضة الاقتصادية والتنموية، فعمل على بناء منظومة متكاملة تدعم البحث العلمي، وتعزِّز الابتكار، وتستقطب العقول اللامعة من مختلف أنحاء العالم. وقد تُرجمت هذه الرؤية إلى مشاريع كبرى مثل الإستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، التي جعلت المملكة من بين الدول الرائدة في هذا المجال، إلى جانب تعزيز الاستثمار في التقنيات الحيوية، وأبحاث الفضاء، وتطوير المدن الذكية، مما أسهم في بناء اقتصاد معرفي متكامل.
انعكست هذه الرؤية الطموحة في مشاريع ضخمة، أبرزها مدينة نيوم، التي تعد نموذجًا مستقبليًا للمدن الذكية، تعتمد بشكل رئيسي على الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والتقنيات المتقدمة. كما تجسد مشاريع مثل القدية والرياض الخضراء مفهوم المدن المستدامة، حيث تندمج التكنولوجيا مع الطبيعة، في بيئة تعزِّز الابتكار والإبداع.
امتدت هذه النهضة إلى قطاع التعليم والبحث العلمي، فشهدت الجامعات السعودية قفزات نوعية جعلتها في مصاف المؤسسات الأكاديمية العالمية، لا سيما جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وجامعة الملك سعود، اللتين أصبحتا رائدتين في مجالات الذكاء الاصطناعي، والهندسة الوراثية، والطاقة المتجددة. كما تم إنشاء مراكز بحثية متخصصة في التقنية الحيوية، وعلوم الفضاء، والروبوتات، مما جعل المملكة بيئة جاذبة للعلماء والباحثين.
لم يقتصر التوجه التقني على الأرض، بل امتد إلى الفضاء، أسست المملكة الهيئة السعودية للفضاء، وأطلقت برامج متطورة لاستكشاف الفضاء، من بينها برنامج المملكة لرواد الفضاء، الذي شهد إرسال رواد سعوديين إلى المحطة الفضائية الدولية، في خطوة تاريخية نحو تعزيز حضور المملكة في مجال علوم الفضاء والابتكار العلمي.
ومن خلال رؤية ولي العهد، انتقلت المملكة من استهلاك التكنولوجيا إلى إنتاجها، إذ أُطلقت مشاريع تقنية رائدة مثل «سديم» للبيانات الضخمة، ومنصة «سدايا» للذكاء الاصطناعي، اللتين تسهمان في توظيف الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والأمن السيبراني، مما عزَّز مكانة السعودية في الاقتصاد الرقمي العالمي.
كل هذا التطور لم يكن ليحدث دون تمكين الشباب، أطلق ولي العهد برامج تدريب وتأهيل متقدمة مثل برنامج تنمية القدرات البشرية، إلى جانب مبادرات متخصصة في تعليم البرمجة والذكاء الاصطناعي، ومنح دراسية في أرقى الجامعات العالمية، مما أتاح لجيل جديد من السعوديين أن يصبحوا روادًا في التكنولوجيا والبحث العلمي، ويسهموا في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا.
** **
- د. م. فهد بن إبراهيم العمار