كأنها ومضة برق أضاءت سماء المملكة، تلك السنوات الثمانية التي مضت.. والتي كانت شاهدة على إنجازات ومشاريع غيرت المشهد، وجعلت من الأحلام واقعًا يُبنى، ومن الطموح جسورًا تعبر نحو المستقبل. هنا، حيث يلتقي التاريخ بالحلم، وتُدون فصول جديدة لوطن قرر ألا يقف عند حدود الممكن. في كل مدينة، وكل شارع، وكل بيت، تُروى اليوم حكاية رؤية تحققت، ومجد يتشكل، ومستقبل يُرسم بأنامل الطموحين.
منذ أن بايع الشعب السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وليًا للعهد في 21 يونيو 2017م، الموافق 26 رمضان 1438هـ. سنوات تجلّت فيها ملامح الطموح على أرض الواقع، وتحولت المملكة إلى ورشة عمل لا تهدأ، تتسابق مع الزمن، وتعيد رسم ملامح المستقبل.
لم يكن هذا التحول مجرد توسع عمراني، أو قفزات اقتصادية، بل كان إعادة صياغة شاملة لمفهوم التنمية، حيث أصبحت الاستدامة عنوانًا لكل مشروع، والتكنولوجيا ركيزة لكل مبادرة، والإنسان جوهر كل إنجاز. على هذه الأرض، نهضت مدن المستقبل، وتقدمت مشاريع كبرى تعيد تعريف مفهوم العيش الحضري، فلم تعد المدينة مجرد مبانٍ وطرق، بل أصبحت بيئة نابضة بالحياة، تنسجم فيها الطبيعة مع الإبداع، ويصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا من نسيج الحياة اليومية.
نيوم، المشروع الذي تخطى حدود الخيال، أطلّ على العالم كمدينة بلا سيارات، بلا انبعاثات، بلا قيود، حيث يتناغم الإنسان مع الطبيعة والتكنولوجيا في صورة لم يشهدها التاريخ من قبل. وعلى خطاها، وُلدت «ذا لاين»، المدينة التي جعلت من الاستدامة فلسفة، ومن الذكاء أسلوب حياة، حيث لا شوارع مزدحمة، ولا ضجيج، بل فضاء مفتوح للابتكار والإبداع، يُعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان ومحيطه. وفي الدرعية، عاد التاريخ لينبض بالحياة، حيث يُبعث المجد من جديد، وتتحول العاصمة الأولى للدولة السعودية إلى وجهة سياحية وثقافية عالمية، تحكي قصة وطن كتب فصوله بإرادة أبنائه.
لم تتوقف عجلة التغيير عند المدن، بل امتدت إلى شبكات النقل التي ربطت الحاضر بالمستقبل. في الرياض، أتى مترو العاصمة كأحد أضخم مشاريع النقل الجماعي في العالم، يُعيد تشكيل المشهد الحضري، ويمنح سكانها وسيلة تنقل متطورة ومستدامة. وعلى امتداد الحجاز، يختصر قطار الحرمين السريع المسافات بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، في تجربة سفر تمزج بين الحداثة والروحانية، حيث يلتقي الزمن مع التقنية لخدمة ملايين الحجاج والمعتمرين. وفي الأجواء، تشهد المطارات السعودية تحولًا غير مسبوق، حيث يرتقي مطار الملك سلمان الدولي بالرياض ليصبح أحد أكبر مطارات العالم، ويجعل من المملكة مركزًا لوجستيًا يربط القارات الثلاث، ويضعها في صدارة المشهد الاقتصادي العالمي.
وسط هذه النهضة، لم يكن المواطن السعودي غائبًا، بل كان حجر الأساس ومحور الاهتمام. منذ اللحظة الأولى، كان السكن أحد الأولويات، إدراكًا بأن الاستقرار ليس مجرد جدران وسقف، بل حياة كريمة، وأمان، ومستقبل مزدهر. فجاءت المبادرات التي جعلت من امتلاك المسكن حلمًا ممكنًا، وواقعًا ملموسًا. أطلق برنامج «سكني» ليمنح الأسر السعودية خيارات متعددة بأسعار ميسرة، بينما تكفلت مبادرة الإسكان التنموي بتوفير المساكن للأسر الأشد حاجة، في صورة تجسد قيم التكافل الاجتماعي. ومع تطور الأحياء السكنية، لم يكن الهدف مجرد توفير مساكن، بل خلق بيئة متكاملة، تعزز جودة الحياة، وتجعل من كل حي مجتمعًا ينبض بالحياة. أما التمويل العقاري، فقد شهد قفزة غير مسبوقة، حيث تم تسهيل القروض العقارية، وخُفِّضت فترات الانتظار، مما رفع نسبة تملك المواطنين إلى أكثر من 60 %، في إنجاز يعكس نجاح الرؤية في تحويل الأحلام إلى حقائق.
ثماني سنوات من العمل الدؤوب، تحولت فيها المملكة إلى نموذج ملهم، حيث لا حدود للطموح، ولا سقف للأحلام. لم يكن التغيير مجرد إضافة جديدة على خارطة المدن، بل كان إعادة تعريف لمفهوم التنمية ذاته، حيث أصبحت الاستدامة والابتكار والإنسان هي الأركان الثلاثة التي تقوم عليها معالم الغد. والمملكة، التي يقودها الأمير محمد بن سلمان، لا تعرف المستحيل، ولا تعترف بالتحديات، بل تصنع من كل تحدٍّ فرصة، ومن كل حلمٍ مشروعًا، ومن كل رؤية واقعًا.
إن ما تحقق اليوم ليس سوى البداية، والقادم يحمل في طياته ما هو أعظم، وأكثر إبهارًا. فالسعودية، التي رسمت طريقها برؤية 2030، ماضية بثبات نحو المستقبل، تصنعه بيدها، وتراه بعين قائدها، الذي جعل من الإبداع نهجًا، ومن التنمية رسالة، ومن الطموح جناحين يحلقان بالمملكة إلى آفاق جديدة.
نسأل الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ويمد في عمره، وأن يوفق ولي عهده الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، لما فيه خير الوطن والأمة، وأن يديم على المملكة أمنها، واستقرارها، وازدهارها، لتبقى راية المجد خفاقة، وشمس النهضة مشرقة، ومستقبلها أكثر إشراقًا وتألقًا بإذن الله.
** **
- ماجد بن عبدالمحسن الحكير