«الجزيرة» - الاقتصاد:
اختطت المملكة مسارا وفق رؤية المملكة 2030 التي أعلن عنها في 25 أبريل 2016، شكل خطة لما بعد النفط، وهذا لا يعني التخلي عن النفط بل إن المملكة تدافع عن حصصها وعن أسعار النفط لدعم تحقيق رؤية المملكة، حيث تبنت رؤية المملكة مشروعات حكومية عملاقة بحاجة إلى ضخ أموال كبيرة جدا لتحريك عجلة الاقتصاد ودفع القطاع الخاص نحو الشراكة مع القطاع العام. بما يدعم مواصلة مسيرة رؤية المملكة 2030 واستثمار الفرص والتركيز على الأولويات الحيوية التي تسرع من تحقيق نقلة نوعية وسريعة جدا للتحول من العجز إلى مرحلة الفوائض.
وقد حقق الناتج المحلي السعودي نموا بنسبة 1.3 في المائة خلال العام الماضي 2024، مقارنة بالعام السابق، وفق بيانات الهيئة العامة الإحصاء، وجاء النمو مدعوما بزيادة الأنشطة غير النفطية 4.3 في المائة والأنشطة الحكومية 2.6 في المائة، لكن الأنشطة النفطية حققت 4.5 في المائة خلال السنة الماضية مقارنة بعام 2023.
وتوقع صندوق النقد الدولي في العام 2024 نمو اقتصاد المملكة 1.5 في المائة و4.6 في المائة في 2025. وخلال الربع الأخير من 2024 نما الناتج المحلي السعودي 4.5 في المائة، مقارنة بالربع المماثل في العام السابق.
وكان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان قد أكد أن اقتصاد المملكة ينمو بوتيرة متسارعة ويوجد فرصا غير مسبوقة. وأضاف الأمير محمد بن سلمان، في تصريح عقب إعلان أرقام الميزانية السعودية 2025 أن المؤشرات الإيجابية للاقتصاد تشكل امتدادا لإصلاحات رؤية 2030. وأكد سمو ولي العهد السعودي على الدور المحوري لصندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني.
كما أكد سموه استمرار مساهمة الإنفاق الحكومي في تنويع الاقتصاد. وقال الأمير محمد بن سلمان إن ميزانية 2025 تؤكد التزام الحكومة بكل ما فيه رفعة للوطن ومنفعة للمواطن، لافتا إلى أن الإنجازات الجوهرية التي تشهدها السعودية تحققت بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله-، وبجهود وسواعد أبنائها وبناتها.
وأكد سمو ولي العهد استمرار مساهمة الإنفاق الحكومي في تنويع الاقتصاد عبر التركيز على تمكين القطاعات الواعدة، وتعزيز جذب الاستثمارات، وتحفيز الصناعات، فضلا عن رفع نسبة المحتوى المحلي والصادرات غير النفطية، والاستمرار في كامل برامج تحقيق رؤية السعودية 2030 والاستراتيجيات الوطنية، وتعزيز دور القطاع الخاص لزيادة مساهمته في المشروعات الاستثمارية؛ ما يمكن الحكومة من مواصلة العمل على تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، واستمرار جهود الحكومة وفق التخطيط الممنهج على المديين المتوسط والطويل مع الأخذ بعين الاعتبار كافة التطورات والتحديات الاقتصادية الإقليمية والعالمية؛ لضمان تحقيق مستهدفاتها مع الحفاظ على المكتسبات الاقتصادية والاستدامة المالية.
وقال الأمير محمد بن سلمان إن المؤشرات الإيجابية للاقتصاد السعودي تأتي امتدادا للإصلاحات المستمرة في المملكة في ظل رؤية السعودية 2030 ؛ إذ يقدر أن تسجل المملكة ثاني أسرع معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بين الاقتصادات الكبرى في العام المقبل عند 4.6 في المائة، مدفوعة باستمرار ارتفاع مساهمة الأنشطة غير النفطية والتي بلغت مستوى قياسيا جديدا لها خلال العام 2024م عند (52 في المائة)، وانخفض معدل بطالة السعوديين إلى مستوى قياسي بلغ 7.1 في المائة حتى الربع الثاني وهو الأدنى تاريخيا، مقتربا من مستهدف رؤية السعودية 2030 عند 7 في المائة.
وطبقا لحديث سمو ولي العهد فإن معدل مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل ارتفع ليصل إلى 35.4 في المائة حتى الربع الثاني متجاوزا مستهدف الرؤية البالغ 30 في المائة، وبلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي 21.2 مليار ريال خلال النصف الأول من عام 2024م.
وأضاف سمو ولي العهد: ميزانية 2025م تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد المملكة، وهو ينمو بوتيرة متسارعة ويوجد فرصا غير مسبوقة، من خلال المحافظة على مستويات مستدامة من الدين العام واحتياطات حكومية معتبرة، إضافة إلى سياسة إنفاق مرنة تمكنها من مواجهة التحديات والتقلبات في الاقتصاد العالمي.
وما زالت المملكة تستند على احتياطيات صلبة حيث تمتلك أصولا احتياطية كبيرة جدا وصلت إلى 1.67 تريليون ريال مسجلة نموا بنحو 2 في المائة بما يعادل 32.9 مليار ريال، كما يمتلك صندوق الاستثمارات العامة نحو 1.5 تريليون ريال ويتوقع أن يصل إلى 4 تريليونات ريال. ووفق وكالة ستاندرد آند بورز فإن الدين العام في الاقتصادات المتقدمة سيقفز إلى 134.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وجاءت السعودية بين أقل 30 دولة حول العالم في الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهي مستمرة في التركيز على ضبط الإنفاق لتحقيق استقرار الوضع المالي، وإن كان تحسن الوضع المالي للسعودية بفعل قفزة في الإيرادات مع زيادة إنتاج النفط وأسعاره. ويتوقع أن تتحول موازنات الدولة إلى تحقيق فوائض مالية انعكاسا في الاستمرار في التوسع التنموي ودعم النمو الاقتصادي حتى تتمكن الدولة من تعزيز مفهوم الاستدامة المالية وتقوية الوضع المالي للمملكة في مواجهة التحديات المحلية والعالمية حتى لا تظل رهينة لتذبذب أسعار النفط ورهينة لدخل آحادي. وسيكون قطاع النفط أحد قطاعات الطاقة، وسيتحول أيضا إلى قطاع إنتاجي مستدام، ويمثل تعافي الأداء الاقتصادي نتيجة تعاف مستمر في أغلب الأنشطة الاقتصادية، مع توقع تعافي أسرع في بعض الأنشطة الاقتصادية التي ركزت عليها رؤية المملكة نتيجة مواصلة الدولة في الإنفاق على المشروعات الكبرى وبرامج تحقيق الرؤية بما يدعم مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تتيح مزيدا من الفرص أمام القطاع الخاص في قيادة الفرص الاستثمارية والاستمرار في تخصيص بعض الأصول والخدمات الحكومية وتطوير مشروعات البنى التحتية المدعومة باستثمارات صندوق الاستثمارات العامة من خلال استراتيجيته المعتمدة في تنمية القطاعات الاقتصادية المحلية. وذلك بعد أن كانت فوائض وعجز ميزانيات المملكة في الأعوام الماضية مرتبطة بأسعار النفط وإيراداته، ما قلل من وجود قيمة مضافة للاقتصاد تدعم خلق الميزات التنافسية المعتمدة على المهارات والقدرات التقنية والتكنولوجية. وكانت التحليلات الاقتصادية للميزانيات الماضية قبل عام 2016 ترتكز على فوائض مداخيل النفط أو العجز في انخفاض مداخيل النفط، فمثلا التحليلات الاقتصادية كانت تشير إلى أن أكبر فائض للميزانية كان في عام 2008 حيث بلغ الفائض 581 مليار ريال، بارتفاع 75 في المائة عن عام 2007، وأيضا سجلت الميزانية السعودية من عام 2004 إلى013 فوائض نقدية تراوح ما بين 100 مليار إلى 400 مليار ريال، لكن تراجعت إيرادات النفط فجأة في عام 2009 بأكثر من 50 في المائة لتصل إلى 434 مليار ريال بسبب انخفاض الطلب على النفط نتيجة الأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، كذلك حققت الميزانية عجزا خلال عامي 2001 و2002 بسبب أزمة أحداث 11 سبتمبر 2001 نتيجة ما مني به الاقتصاد العالمي من ركود. وأيضا حققت ميزانية عام 2014 عجزا بنحو 66 مليار ريال حيث بلغت الإيرادات 1044 مليار ريال وكانت المصروفات 1110 مليارات ريال عندما كان متوسط سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل خلال أعوام 2011، 2012، 2013، سجلت الميزانية في تلك الأعوام إيرادات من النفط تتجاوز تريليون ريال، بينما سجلت ميزانية عام 2020 عجوزات 294 مليار ريال، وتواصل الحكومة الجهود في تعزيز كفاءة الإنفاق وتحقيق وفورات مالية من خلال تمكين الجهات الحكومية من تبني أفضل الممارسات في كفاءة الإنفاق ودعمها بالتدريب والإجراءات والتحفيزات اللازمة لتحقيق المستهدفات، وتم العمل على إعداد استراتيجية لمنظومة الدعم والإعانات الاجتماعية تحتوي على التوجهات العامة وتحديد الأهداف الاستراتيجية وتوضح الأثر على المستفيدين وعلى المالية العامة، كذلك التوصيات الناجمة عن تحليل برامج الدعم والإعانات الاجتماعية.
وأكدت أن العمل مستمر على مسارين أساسيين تعمل عليهما لجنة منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية وهما مسار السياسات الذي يشمل جمع البيانات وتحليل النظام وخصائصه والاستبيان لبرامج الدعم والإعانات، والإصلاح لتطوير التوصيات حيال البرامج. كذلك مسار الميزانية الذي يشمل مراجعة الميزانية وتركيز الإنفاق على الأهداف والأولويات الاستراتيجية.
وتجلى الدور المؤثر للمملكة على صعيد الطاقة العالمية في التوصل لاتفاق منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بلس التاريخي، وما تبع ذلك من جهودها لتعزيز التزام الدول بحصصها من الخفض، والتعويض عن الكميات الزائدة عن الحصص، وأثر التوصل لهذا الاتفاق على استقرار الأسواق العالمية. ويخطط تحالف أوبك + لمنتجي النفط، الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بقيادة المملكة وحلفاء من بينهم روسيا، لزيادة الإنتاج في أبريل/نيسان، منهيا تخفيضات تم الاتفاق عليها على مراحل منذ عام 2022 لدعم السوق. وذكرت الهيئة العامة للإحصاء أن معظم القطاعات الاقتصادية حققت نموا وسجلت أنشطة تجارة الجملة والمطاعم والفنادق أعلى معدلات نمو بنسبة 6.4 في المائة، تلتها أنشطة خدمات المال والتأمين وخدمات الأعمال بنسبة 5.7 في المائة، ثم أنشطة الماء والكهرباء والغاز بنسبة 4.9 في المائة.
وتم إطلاق برنامج استدامة الطلب على البترول في عام 2020م بمشاركة عدة جهات حكومية والشركات ومراكز البحوث، يهدف البرنامج إلى استدامة وتنمية الطلب على المواد الهيدروكربونية كمصدر تنافسي للطاقة، من خلال رفع كفاءتها الاقتصادية والبيئية، مع ضمان أن يتم التحول في مزيج الطاقة بطريقة فعالة ومستدامة للمملكة العربية السعودية
تمثل التنمية الركيزة الأولى للبرنامج، حيث يهدف إلى توليد الطلب في الأسواق الناشئة من خلال الاستثمار في البنية التحتية وتسريع النمو في الأسواق المستهدفة، أما الركيزة الثانية فتهدف إلى الابتكار وتسريع التقدم التقني لتوفير استخدامات جديدة للهيدروكربونات، أما الركيزة الثالثة، فتعمل على تعزيز الاستدامة وتهدف إلى تأمين مزيج من الطاقة يتسم بالكفاءة الاقتصادية والبيئية، بما في ذلك الهيدروكربونات. كما يعمل البرنامج على تعزيز القيمة المضافة التي يمكن تحقيقها من المواد الهيدروكربونية، والعمل مع الشركات على توسيع أعمالها في مختلف المجالات من خلال تطوير مواد مبتكرة من المواد الهيدروكربونية، وتعزيز استخداماتها الجديدة والمستدامة مما يساعد في ترسيخ مكانة المملكة في هذا القطاع. ويعد الغاز الطبيعي أحد الموارد الطبيعية التي تسعى وزارة الطاقة لتعظيم استغلالها، وذلك من خلال عمليات الاستكشاف والإنتاج والاستثمار. ويستخدم الغاز الطبيعي لتلبية الطلب المتنامي على الطاقة في السوق المحلية حيث يستخدم كوقود لمحطات توليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة، إضافة لاستخدامه كمادة أساسية (لقيم) لعدد من الصناعات التحويلية، وكذلك كوقود في قطاعات صناعية أخرى. وتعد المملكة اليوم سابع أكبر سوق للغاز الطبيعي في العالم، وعلى الرغم من استطاعة شبكة الغاز الرئيسة القضاء على حرق الغاز المصاحب، فإن كثافة حرق الغاز في شعلات معامل الغاز تعد الأقل في العالم حيث إنها أقل من 1 في المائة، وتهدف المملكة للتوقف التام عن الحرق الروتيني للغاز في الشعلات بحلول عام 2030م. كما أطلقت وزارة الطاقة عديدا من المبادرات التي تستهدف تعظيم الأثر الاقتصادي وتحقيق القيمة المضافة من خلال تمكين البيئة التحتية الأساسية من أجل خلق بيئة استثمارية واعدة تجذب الاستثمارات النوعية وتحقيق الريادة للمملكة في مجال الطاقة بين دول العالم. وتهدف المملكة إلى تحقيق الريادة العالمية في قطاع الطاقة مما يقودها نحو مستقبل ابتكاري تتحقق من خلاله التنمية المستدامة وذلك من خلال تطوير سياسات وبرامج وخطط تنموية عالية الكفاءة، تهدف إلى تعظيم القيمة المضافة الناتجة من القطاع وذلك من أجل تحقيق استدامة التنمية وتطوير قدرة المملكة على التصدي للتحديات القائمة مع التأكيد على أهمية الحفاظ على الثروة الوطنية من الطاقة للأجيال المقبلة. ويهدف برنامج مزيج الطاقة الأمثل لإناج الكهرباء إلى رفع كفاءة التوليد وخفض التكاليف من خلال تنويع مصادر الطاقة لإنتاج الكهرباء، وذلك حسب التقنيات المتاحة والتوجهات الاستراتيجية للقطاع بما في ذلك خفض الانبعاثات، ويرتكز على إزاحة الوقود السائل من المنظومة بشكل أساسي لتنويع مزيج الطاقة المكون من الطاقة المتجددة والغاز، ويتم تحديث ومراجعة مستهدفات مزيج الطاقة بشكل دوري. وتسعى وزارة الطاقة إلى تحقيق التكامل والترابط بين جميع قطاعات الطاقة المختلفة وتعزيزها للاقتصاد الوطني والعالمي كمحرك أساسي للنمو، ويشمل ذلك الطاقة التقليدية، والمتجددة، والطاقة النووية للاستخدامات السلمية مستقبلا؛ من خلال تبني الحلول الابتكارية لتعظيم المنفعة الاقتصادية للمملكة من القطاع ككل.
ويعد البرنامج الوطني للطاقة المتجددة مبادرة استراتيجية تحت مبادرة خادم الحرمين الشريفين للطاقة المتجددة ورؤية المملكة 2030، حيث يستهدف زيادة حصة المملكة في إنتاج الطاقة المتجددة إلى الحد الأمثل، كما أنه مصمم لتحقيق التوازن في مزيج مصادر الطاقة المحلية والوفاء بالتزامات المملكة تجاه تجنب الانبعاثات. ومن خلال البرنامج تعمل وزارة الطاقة على تنويع مزيج الطاقة الوطني المستخدم في إنتاج الكهرباء، بزيادة حصة الغاز ومصادر الطاقة المتجددة فيه، حيث تستهدف المملكة تحقيق المزيج الأمثل للطاقة، والأكثر كفاءة والأقل كلفة في إنتاج الكهرباء، وذلك بإزاحة الوقود السائل الذي يستهلك كوقود في إنتاج الكهرباء والتعويض عنه بالغاز ومصادر الطاقة المتجددة، التي سوف تشكل ما يقارب 50 في المائة لكل منهما من مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء بحلول عام 2030. وإضافة لذلك تعمل الوزارة على تطويرقطاع الطاقة المتجددة من خلال إيجاد سوق تنافسي محلي يسهم في زيادة استثمارات القطاع الخاص ويشجع الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ومما يؤكد على نجاح ما نفذته الوزارة في هذا الجانب حتى الآن أنها حققت للمملكة السعر الأكثر تنافسية على مستوى العالم في مشروعات توليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.