يمكننا القول إن عندنا إشارات واضحة في نصوصنا الإسلامية تدل على أصل العربية، وقد مرت بثلاث مراحل:
1- العرب البائدة: هم العرب الذّين انقرضوا، ولم يبق منهم أحد، وأوّل ذكر لهم بهذا الاسم كان بعد الطوفان، فإنّهم خلفوا قوم نوح - عليه السّلام - قال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْم نُوحٍ وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وهم عاد قوم هود - عليه السلام- الذين يسمون بعاد الأولى، ثمّ ثمود قوم صالح -عليه السّلام - ثم مدين قوم شعيب - عليه السّلام- والعماليق وغيرهم وهؤلاء انقرضوا.
والذي دلَّ على عربية هذه الأقوام ما روي من حديث أبي ذر: «وأربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر».
2- العرب العاربة: وهم بنو قحطان (القحطانيون)، وهما فرعان عظيمان من العرب: كهلان وحمير، ومنهما المناذرة، والغساسنة.
3- العرب المستعربة، وهم بنو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
شاهد أول، فلقد جاء في صحيح البخاري: «مَرَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا»، فهذه شهادة بأن إسماعيل عليه السلام أب للعرب.
شاهد ثان، حيث جاء أيضاً في صحيح البخاري: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النبِي صلى الله عليه وسلم: »فَأَلْفَى ذَلِكَ أُم إِسْمَاعِيلَ، وَهْي تُحِب الإِنْسَ، فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ، فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلاَمُ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيةَ مِنْهُمْ»
فهذان النصان الصحيحان يثبتان:
1- أن إسماعيل عليه السلام قد عاشر قبيلة جرهم العربية، ثم تزوج منهم وصار أباً للعرب من بعده.
2- أن إسماعيل عليه السلام قد تعلَّم العربية من قبيلة جرهم الحِمْيَرية المهاجرة من جنوب الجزيرة، أي أن العربية القديمة كانت ما قبل إسماعيل، وأنها قديمة قِدم قبائل حِمْيَر.
ثم إن هنالك شاهداً ثالثاً:
فقد روى الزبير بن بكار في النسب من حديث علي بإسناد حسن قال: «أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل».
فهذا يدل على الأقل على مرحلتين أساسيتين قد مرت بهما العربية:
عربية قديمة هي لغة حمير وجرهم قد تعلمها إسماعيل عليه السلام في صغره.
عربية مبينة (أو متينة) ألهمه الله تعالى إياها في شبابه.
أما عن عمر العربية الدقيق فلا أحد يعلمه، أي لم يرد بها عمر محدد في الإسلام سوى عربية إسماعيل المبينة.
أما ما جاء في كتاب العهد القديم من تواريخ وأعمار، لم يعتد بها العلماء المؤرِّخون من أهل الكتاب وسواهم ولا اعتبروها مرجعاً؛ لانعدام تطابقها والآثار المكتشفة.
ثم إنه في باب آخر ذُكرت في الحديث النبوي الشريف والقرآن الكريم شواهدُ أُخر تدل على أولية اللغة العربية وسابقتها على سائر لغات أهل الأرض.
فمنها أول كلام نطق به أبونا آدم عليه السلام، فبعد أن نفخ الله تعالى فيه الروح، عطس آدم فقال « الحمد لله « ثم أمره الله تعالى أن يسلم على الملائكة فقال « السلام عليكم «.
ومن ثَمَّ علَّم الله تعالى آدم الأسماء كلها، حيث قال سبحانه: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}.
فالله سبحانه وتعالى هو من علم آدم اللغة الأم. ولعلها العربية، حيث إن آخر وحي نزل من السماء، القرآن الكريم، كان بالعربية الفصيحة المبينة المعجزة.
** **
محمد بن عثمان الخنين
aooa14301@