تظاهرة ثقافية تلك التي أدارها قسم اللغة العربية في كلية الآداب من جامعة الملك سعود العريقة، لها الشكر مزجى ومثنى ممثِّلة للحكومة الرشيدة في عام الإبل الذي بلغت العناية به المشارق والمغارب، وشارك فيها البادي والحاضر على مستويات عديدة، ومنها هذا المؤتمر الدولي الذي ورده مرتادوه صباحية الثلاثاء1 - 14 رجب-1446هـ، الموافق 1 -14يناير/2025م وصدر الحاضرون عنه الخميس عصراً 16/رجب/1446هـ، الموافق16/يناير/2025م، وقد بذل المنظمون جهودًا تُذكر فتُشكر مجندة كل الطاقات، وكان رئيس القسم -حفظه الله- شعلة متقدة على قدم وساق سعادة أ.د. هاجد دميثان الحربي، بشاشة لمسها الجميع، متصلة غير منفصلة طوال ذلك اللقاء، ولا غرابة في ذلك فهو تراثي حتى النخاع، وقد جمع هذا المؤتمر من كل بستان زهرة، مزامير آل داوود من الترنم والألحان والحِداء والرَّبابة ومنطق الطير من الرمزية والإيماء، ثم أزف الرحيل وتقلقلت الأظعان وتلاشى ما كان من إقبال الوِرد جماعات ووحدانا، وحان الإصدار، ولم يكن اللقاء متوقعًا اجتماعه إلا في دورات قادمة، إن شاء الله، فيصبح حال من أُولع بذلك كحال القائل المنتظر لمّ الشمل حين ورود الماء، إذ قال:
متى ظنكم ذا البدو يأتون حوّالي
حداهم من الصمّان لاهوب قيظية
عسى ينزلون الما وانا لازمٍ حالي
لعوب طروب كل زين بعد فيّه
ألا يا سويلم وش أسوي بذا الغالي
شبابه لغيري والحسايف غدت ليّه
وليست وسائل الاتصال والإخبار حين ذاك ميسورة بمعرفة القدوم والمواعيد، إنما الظن -وإن كان هو أكذب الحديث والتخمين- هو الموطئ لجري العادة ومقاربة الإفادة حتى يستقر الجميع في استراحة فصلية دافعها شدة سموم القيظ ولواهب رياحه التي تيبّس خضرة المراعي وتحشد الجميع إلى الحضور الذي ما يكاد يجتمع حتى ينفض، وهذا ما يجعل الحديث مشوّقا وإن قطعه كل معوِّق.
لايمي في حبهم جعل يضرب بالذريع
ما تسرّه صيحته لا تلووا به عداه
هرجه أحلى من قراحٍ على شاهي ربيع
حاكرة صغر لبريّق ومحكور حلاه
لذا لا أكون متجاوزًا إذا أكدت بالتضعيف إنّ أطاريح الجلسات المتنوعة على اختلاف تناولها تزيد لذّة وذوقا، أو تماثل حديث تلك الجميلة التي فضّلها على السكر المذاب.
اثنان وعشرون بحثًا تختلف طولًا وقصرًا من الوطن العربي ودول العالم الخارجي؛ لباحثين وباحثات أحاطوا من كل علم بطرف، توزعت على ثلاثة أيام متتالية تخللها حديث لشيخ الآثاريين د. أحمد الزيلعي عن علائق الآثار ودفن الإبل حتى تُمتطى عروًا ومشدوداً عند البعث والنشور:
وكلُّ امرئٍ يومًا مُلاقٍ حِمامَه
وإن باتتِ الدعوى وطالَ به العُمرُ
ولقلَّ لي مما جمعتُ مطيَّة
في الحشرِ اركبْها إذا قيلَ: اركبوا
علائق التراث يأخذ بعضها برقاب بعض آثار وادثار وأسفار، بلاغة ونقد، مسرح وتخييل، شعر ونثر، فالإبل مطية وقضية تُقضى بها الديات والديون، وهي تحمل الأسفار وتساق أمهار، والرماح والسيوف تُسنّ، والخيل تُعنّ ليغيروا عليها في الليل والنهار ظلاما أو جهار، حتى يعم الأمن، وينتشرون في الفلوات، وتُقام الصلوات، وتُدفع الزكوات، وهذا الفارس برجس بن مجلاد يقول في حدائه:
عينيك يا راع القعود
ياللي تحدّه يمنّا
اليا تلاقت بالسنود
نرضيك ونغضب عمّنا
أنا أتمنى من بعيد
واليوم ربّي لمّنا
يقول لراعية الإبل المسلوبة: لا تخافي فإني سوف اقتحم المرتفعات حتى وإن أثقلت جوادي، وأنا أتمنى مثل هذا اليوم الذي أظهر لك فيه مكنون الفداء والمحبة حتى يعود إليك السرور. أما وصف حالة ابتناء الأخبية على مختلف ضروبها، سواء كانت للتظلل أو للتدفئة، وهذا نموذج من الوصف:
كِنانيَّةٌ أوتادُ أطنابٍ بيتِها
أراكٌ، إذا صافتْ بهِ المَرْدُ شَقَّحا
والأراك شجر المساويك يكون تكاثف نباته في مجاري الأودية وأباطحها، التي لا يبتعد ماؤها حين حفره، وهذا له مدلول آخر في شدّ أطناب البيت؛ أي أن الوتد لا يثبت في الأرض للينها وحسن منزلها وإنما تحزم (تربط) في الأشجار الناعمة جليلة الأغصان، أما امتطاء النواجي من الإبل لكي تُقطع بها الأسفار ذهابا أو إيابا، فقد أحسن صياغتها بلا مزيد عليه:
كأنها بنقا العزّافِ طاويةٌ
لما انطوى نَيُّها، واخْرَوَّطَ السفَرُ
ماريّةٌ لُؤلُؤانُ اللونِ، أوَّدَها
طَلٌّ، وبَنَّسَ عنها فَرْقَدٌ خَصِرُ
أي حسن يضاهى وأي شرح يوفي هذا النظم حقه تكييفا وتوصيفا، أما خاتمة القول عن الظعائن:
ثمّ اغْترَزْتُ على نِضوِي لابْعَثَه
إثْر الحُمُولِ الغوادي وهو معقولُ
فاستعْجَلَتْ عبْرَةٌ شعْواءُ، قَحَّمَها
ماءٌ ومالَ بها في جِفْنِها الجُولُ
فقلتُ: ما لُحِمُولِ الحيِّ ق دْ خَفِيَتْ
أَكَلَّ طَرْفِيَ، أم غالتْهُم الغوُلُ؟
يخفَوْنَ طورًا، فأبْكي، ثمّ يرفعُهمْ
آلُ الضُّحى والهِبَّلاتُ المراسيلُ
والاغتراز: أن يركب نضوه ليس عليه شيء يلتزم به، إنما يغرز يديه في وبره من أعلى.
بقي مقترحان وبشارة؛ الأول: أن يكون هناك قوافل موسمية تقوم من المناطق والمحافظات برحلات في أوقات مناسبة، بعد التنسيق مع أهل الاختصاص ومعرفة المواسم الفلكية وتحديد المسارات وستوجد سياحة موسمية قل ما يضاهيها، رالي صحراوي سوف ينافس أعلى الرياضات، تخييما واستجماما، حداء وغناء. الآخر: الاستفادة من جلود الإبل وأوبارها وألبانها، أما البشارة أعلن في البيان الختامي تعاون ثلاثي بين الجامعة المضيفة وبين مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ووزارة الثقافة لتبني عدد من التوصيات لن نستبق إعلانها،
مزجنا الشعر الشعبي بالفصيح ليس من قلّة بالفصيح الذي يغطي كل الجوانب ولكن ليطلع القارئ على القرب في الموروث بين القديم والحديث:
أمنْ طَرَبٍ نظرتُ غداةَ رَهْبى
لِتنظُرَ أين وُجِّه بالجِمَالِ
إلماحات في البحوث أو المداخلات أو الاعتراضات والتعقيبات ليس هنا محل عرضها، حرية بأن تكون بحوثا أو مقالات لها اعتبارات تراعي المقام.
** **
تركي بن شجاع بن تركي الخريم - الخبر - باحث تراث يهتم بالمواضع الجغرافية والقبائل
Turki11_88