في زمن تسوده وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح العالم أصغر وأسرع وأكثر اعتمادًا على المحتوى السريع والخفيف. وسط هذا التسارع الرقمي يجد الكلاسيكيون أمثال ويليام شكسبير أنفسهم في زاوية مظلمة، بعيدة عن أضواء الجيل الجديد. فكرة أن تسأل شابًا أو فتاةً من أبناء السوشيال ميديا عن شكسبير وتسمع إجابة مثل: «لم أسمع به قط» قد تبدو صادمة، وهذا ما حدث معي شخصيًا عندما كنت أتحاور مع إحدى الفتيات التي تجد صعوبة في التحدث باللغة الإنجليزية عندما حاولت أن أخفف عنها الأمر فقلت: «استخدمي أبسط الكلمات أثناء حديثك، لستِ مضطرة للتحدث كما لو كنتِ شكسبير.» لكنها نظرت إليّ بدهشة وسألت: «ومن هو شكسبير؟ لم أسمع به قط!» وهنا كانت المفاجأة بالنسبة لي! قد تبدو الجملة صادمة لكنها تعكس واقعًا ثقافيًا جديدًا يحمل في طياته تحديات كبيرة.
ويليام شكسبير، الكاتب المسرحي والشاعر الإنجليزي الذي يعد واحدًا من أعظم أدباء التاريخ، ترك بصمة لا تمحى في عالم الأدب. من هاملت وعطيل إلى ماكبث وروميو وجولييت، لا تزال أعماله تعكس قضايا إنسانية كالحب والخيانة والصراع الداخلي والطموح، وهي موضوعات خالدة في تأثيرها وشموليتها. ورغم أن شكسبير كتب نصوصه في القرن السادس عشر، فإن أعماله تتجاوز الحدود الزمنية والجغرافية بفضل عمقها الفكري وجمالها الأدبي.
اليوم يعيش الجيل الجديد في عصر تسود فيه منصات مثل تيك توك وإنستغرام ويوتيوب، حيث تُستهلك الأفكار في دقائق معدودة، وأحيانًا في ثوانٍ. لم يعد لدى الكثيرين منهم صبر أو اهتمام للغوص في نصوص أدبية عميقة تتطلب التركيز والتحليل، وفي ظل هذه الثقافة لا يجد شكسبير مكانًا في قوائم الاهتمام، مما يجعل الكثير من الشباب ينشؤون دون معرفة بأعماله أو حتى اسمه.
هذا البُعد عن شكسبير ليس مجرد فقدان لمعلومة ثقافية؛ بل هو مؤشر على تحول في الأولويات الثقافية. الأدب كوسيلة لفهم الذات والعالم أصبح يعاني من تراجع أمام المحتوى الترفيهي السريع.
غياب شكسبير عن وعي الجيل الجديد يعني انفصالهم عن جزء أساسي من التراث الأدبي الإنساني، فأعماله ليست مجرد قصص، بل هي انعكاس لصراعات الإنسان وأسئلته الكبرى، وفقدانها يعني ضياع نافذة مهمة لفهم الذات والآخر، كما أن قراءة نصوص شكسبير ليست تجربة ترفيهية فقط، بل هي تمرين ذهني يساعد على تطوير التفكير النقدي والتحليلي. الابتعاد عن مثل هذه النصوص يعني فقدان الاتصال بالجماليات الأدبية التي صاغتها أجيال سابقة مما يترك فراغًا في التقدير الفني والجمالي ويجعل العقول أكثر سطحية وأقل قدرة على التفكير العميق.
رغم هذا الواقع، لا يزال هناك أمل في إعادة الجيل الجديد إلى عالم شكسبير. يمكن للتكنولوجيا التي تساهم في عزوف الشباب عن الأدب الكلاسيكي أن تكون أيضًا جسرًا للعودة إليه. على سبيل المثال:
يمكن استخدام وسائل مثل: البودكاست والفيديوهات القصيرة وحتى الرسوم المتحركة لإعادة تقديم أعماله بطريقة تناسب العصر. بالإضافة إلى استخدام التقنيات الحديثة مثل الواقع المعزز أو العروض المسرحية الافتراضية لجعل النصوص أكثر قربًا وإثارة لاهتمام الطلاب، كما يمكن كتابة نصوص مستوحاة من أعمال شكسبير بلغة عصرية أو إعادة إنتاجها في سياقات حديثة يمكن أن تكون وسيلة لإحياء الاهتمام بأعماله.
في الختام، إن عدم معرفة أبناء السوشيال ميديا بشكسبير هو علامة على فجوة ثقافية بين الأجيال، ولكنها فجوة يمكن تجاوزها إذا تم تقديم الأدب الكلاسيكي بطرق تناسب هذا العصر. شكسبير ليس مجرد كاتب مسرحي؛ بل هو مرآة للإنسانية ولا يمكننا أن نترك هذه المرآة تُغطى بالغبار في زوايا النسيان. ربما حان الوقت لنستخدم أدوات العصر الحديث ليس فقط لإعادة تقديم أعماله، ولكن أيضًا لإعادة تعريف علاقتنا مع الأدب في عالم سريع التغير.
** **
ناديا عبدالله كعوش - مهتمة بشؤون الأدب والنقد الأدبي